سيناريو المواجهة المباشرة بين إسرائيل وباكستان

كتبه/د. عبدالغني أنجم (رئيس مركز إندس للدراسات الباكستانية)-
في ظل تسارع الأحداث الإقليمية وتفاقم الصراع الإسرائيلي الإيراني، بدأ الحديث يطفو إلى السطح عن احتمال تصاعد الأزمة إلى حد يجرّ أطرافًا غير مباشرة إلى ساحة المواجهة. وتأتي باكستان -القوّة النووية الإسلامية الوحيدة – في صدارة هذه الدول التي تُثار حولها التساؤلات، خاصة في ظل ما يتردد من مزاعم إسرائيلية وهندية حول “دعم إسلام آباد لطهران” في مواجهتها مع تل أبيب.
هل المواجهة المباشرة بين باكستان وإسرائيل واردة؟
رغم أن باكستان وإسرائيل لا تربطهما علاقات دبلوماسية، ورغم تمسّك باكستان بموقف استراتيجي ثابت برفض الإعتراف بإسرائيل منذ تأسيسها، فإن احتمالات المواجهة المباشرة بين الطرفين لا تزال ضمن السيناريوهات “غير المرجّحة ولكن الممكنة”، خاصة إذا تحققت ظروف معيّنة، أهمها:
•إذا ثبت تقديم باكستان دعمًا عسكريًا مباشرًا أو استخباراتيًا لإيران خلال المواجهة الأخيرة مع إسرائيل.
• في حال قيام إسرائيل باستهداف إيران بالأسلحة النووية بشكل يهدد الأمن الإقليمي فمن المرجّح أن تتدخل باكستان في الحرب بحجة الدفاع عن أمن المنطقة۔
* دخول أطراف إقليمية كبرى (مثل الهند أو تركيا) في الحرب إلى جانب أحد الطرفين.
* في حال استهداف إسرائيل لمصالح باكستانية بشكل مباشر أو غير مباشر في إطار توسيع جبهة الحرب.
ففي حال تحقيق هذه المخاطر المذكورة؛ يمكن أن تحدث هناك مواجهة مباشرة بين باكستان وإسرائيل. وإذا دخلت الدولتان في حرب عسكرية مباشرة فإن هذه الحرب ستكون حربا غير تلقيدية التي اعتادتها إسرائيل في الشرق الأوسط. لأن إسرائيل ستواجه دولة نووية، وقوية من حيث العتاد العسكري والتفوق الاستخباراتي، ولديها تجربة طويلة في الحروب مع الهند، والتعامل مع الجيران المتحاربين والإرهابيين. فباكستان ليست دولة أو قوة مستهانة يمكن دحرها بسهولة مثل لبنان، أو إيران أو تنظيم حماس. وفيما يلي سنقوم بالمقارنة بين إسرائيل وباكستان من عدة جوانب مهمة التي تسهم في الانتصار أو الهزيمة.
*مقارنة بين باكستان وإسرائيل من حيث القدرات الاستراتيجية*:
*أولا: السلاح النووي:* باكستان دولة نووية معلنة، تمتلك ترسانة معتبرة من الرؤوس النووية، وتطوير مستمر لمنصات الإطلاق (صواريخ، غواصات، طائرات) ولديها 170 رأسا نوويا. وإسرائيل أيضا قوة نووية غير معلنة رسميًا، يُعتقد أنها تمتلك 80-90 رأسًا نوويًا.
*ثانيا: القوة الجوية:* باكستان لديها أحدث أنواع الأسلحة الجوية متعددة المصادر أهمها: طائرات حربية من طراز F17 الصينية وطائرات من طراز F-16 الأمريكية. وتدريبات قتالية عالية وذو سجل عملياتي واسع. وإسرائيل لديها أيضا سلاح جو متقدّم (طائرات حربية من طراز F-35، F-16 الأمريكية وطائرات مسيّرة متطورة ذو سجلّ عملياتي واسع.
ثالثا: **القوة الاستخباراتية** : جهاز الاستخبارات الباكستاني (ISI) يُعد من أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم. وجهاز الموساد الإسرائيلي من الأكثر فاعلية وتأثيرًا في العمليات الخارجية.
رابعا: **التحالفات والعلاقات الدولية** باكستان لديها علاقات استراتيجية ودفاعية قوية مع كل من الصين، وتركيا، والسعودية، ومصر وقطر والإمارات وغيرها من دول الخليج والدول الإسلامية، إضافة إلى روسيا الاتحادية، وحتى لديها علاقات دبلوماسية قوبة و تفاهمات أمنية محدودة مع واشنطن نفسها. بينما تتمتع إسرائيل بدعم أميركي غير محدود، ولديها شراكات أمنية مع أوروبا، وتعاون عسكري واستخباراتي متقدّم مع الهند.
خامسا: **الثقل الجيوسياسي والديني**: باكستان دولة ذات عمق إسلامي، تتمتع بدور محوري في العالم الإسلامي، وعضو فعّال في منظمة التعاون الإسلامي، وعضو نشط في التحالف الإسلامي العسكري. بينما إسرائيل دولة يهودية محاطة بعداء إقليمي، تعتمد على الغرب لحماية شرعيتها ووجودها.
كيف ستتعامل دول الخليج إذا حدثت مواجهة مباشرة بين باكستان وإسرائيل؟
دول الخليج العربي لديها علاقات قوية وتاريخية مع باكستان؛ استنادا إلى روابط عقدية ودينية وثقافية ومصالح مشتركة لا يمكن التخلي عنها. ففي حال حدوث مواجهة مباشرة بين باكستان وإسرائيل؛ ستكون مواقف الدول الخليجية مختلفة تماما عن مواقفها من المواجهة الحالية بين إيران وإسرائيل. فدول الخليج ستقف بكل وضوح وصراحة إلى جانب باكستان، ومن المتوقع أن تقوم بعض الدول الإسلامية والخليجية بتقديم دعم عسكري علني لباكستان ضد إسرائيل على أرض الواقع. ففي هذه الحالة ستكون إسرائيل محصورة في لهيب من النار، ومحاطة بمخاطر الاستهداف من كل جانب. لأن الدول المجاورة لإسرائيل ستقف إلى جانب باكستان بلا منازع، بخلاف ما يحدث مع إيران حاليا، فإيران أصبحت دولة غير مرحبة لدى أغلب الدول العربية؛ بسبب سياساتها وتدخلاتها المدمرة في الشرق الأوسط، ولذلك وجدت طهران نفسها في حالة من العزلة وقت المواجهة المباشرة مع إسرائيل۔ أما بالنسبة لباكستان، فالوضع مختلف تماما؛ فباكستان تحظى بأهمية كبيرة لدى دول الخليج ولها ثقل اقليمي ودولي كبير في العالم الإسلامي. وأرى أن دخول إسرائيل في حرب مباشرة مع باكستان ( بهذا الثقل العسكري والإقليمي والديني والدولي) بمباركة هندية سيفضي إلى نهاية الدولة اليهودية في الشرق الأوسط إلى الأبد.
كيف سيكون موقف واشنطن في هذه الحالة؟
الولايات المتحدة ستكون في موقف معقّد للغاية. فبينما ترتبط بتحالف عضوي واستراتيجي مع إسرائيل، فهي تدرك كذلك أهمية باكستان في توازنات القوى الآسيوية، لا سيما دور باكستان في أفغانستان، والحد من النفوذ الصيني. وكذلك قوتها النووية وموقعها الاستراتيجي قرب الخليج. إضافة إلى العلاقات الباكستانية مع دول الخليج وشبه الجزيرة العربية والصين وروسيا.
ومن المرجّح أن تسعى واشنطن – حال حدوث المواجهة – إلى ممارسة ضغط مزدوج؛ حيث ستسعى إلى كبح جماح إسرائيل عن توسيع الحرب مع طرف نووي مثل باكستان، واحتواء موقف باكستان دبلوماسيًا، خاصة عبر السعودية وتركيا، لمنع انزلاق الأمور نحو التصعيد الشامل.
السيناريو الأقرب:
في حال تحققت أسباب المواجهة، فإن طبيعة الصراع – إن حصل – لن تكون تقليدية. ومن غير المرجّح أن تدخل باكستان في مواجهة برّية مباشرة مع إسرائيل، ولكنها قد تعتمد على ردع نووي غير مباشر، أو عبر هجوم جوي وصاروخي برفع الجاهزية الاستراتيجية. وتوفير دعم استخباراتي وتقني متقدّم لحلفائها. وكذلك فتح جبهات إعلامية ودبلوماسية قوية على الساحة الدولية ضد شرعية العدوان الإسرائيلي.
والضغط عبر القوى الإسلامية والدولية لفرض توازن ردع مضاد.
الخلاصة:
من خلال التحليل لطبيعة الخلافات بين البلدين يتضح لنا أن اندلاع مواجهة مباشرة بين إسرائيل وباكستان ليس قريبًا أو مرجّحًا في المدى القصير، لكنه لم يعد سيناريو مستبعدًا بالكامل في ظل التصعيد الإقليمي المتسارع، والاصطفافات الجديدة التي تعيد رسم خارطة النفوذ. وفي حال وقوع هذا السيناريو، فإن العالم لن يشهد فقط صراعًا عسكريًا، بل مواجهة وجودية بين مشروعين: مشروع احتلالي توسعي، ومشروع أمة لا تزال تقاتل من أجل المبادئ والعدالة والتوازن. ونتائج هذه المواجهة المباشرة ستكون وخيمة ودمارها سيشمل العالم بأكمله، وقد يؤدي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة. فمن المستحسن للطرفين عدم التلاعب بأسباب تجرهما إلى نيران الحروب والدمار. ويبدو باكستان ملتزمة بهذا المبدأ، وليست لديها نية لخوض حرب مباشرة مع إسرائيل، وإلا كان من المفترض أن تتحرك باكستان ضد إسرائيل فور تلقيها معلومات وتكهنات حول الدعم الإسرائيلي للهند في التصعيد الباكستاني الهندي الأخير.
