أقلام باكستانيةمقال رأي

النزاع الهندي- الباكستاني. صراع ديني أم تركة استعمارية؟

كتبه/ د. عبدالغني أنجم( رئيس مركز إندس للدراسات الباكستانية).
سياسة بريطانيا تجاه الدول التي استعمرتها ركزت على إشعال الطائفية وابقاء بعض القضايا الإقليمية عالقة لتتمتع بالنفوذ على هذه الدول حتى مابعد الاستقلال. وتعد جمهوريتا باكستان والهند من بين تلك الدول التي نالت استقلالها ولكنهما فقدتا الاستقرار والرخاء الدائمين بسبب بعض القضايا التي لم يتم حلها عمدا وقت نيل الاستقلال. فبريطانيا رحلت عن الهند تاركة خلفها إرثها الطائفي وتركة استعمارية ثقيلة على أمن المنطقة.
بريطانيا وافقت على تقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتين على أساس طائفي( المسلمون والهندوس). وهذا التقسيم أدى إلى خلق أزمات داخلية ومواجهات إقليمية دفع كل من الهندوس والمسلمين ثمنها الباهظ. الاستقلال للدول لابد أن ينبني على أساس المساحة الأرضية وليس على أساس الديانة والمعتقد فقط. ولذلك وجدنا بريطانيا عندما أرادت الخروج من الاتحاد الأوربي اعتمدت على الاستفتاء الشعبي والبرلماني وليس على أساس استفتاء ديني أو طائفي، لأنها كانت تدرك جيدا خطورة الاستفتاء الديني والطائفي۔ فتقسيم شبه القارة الهندية على أساس الديانة الهندوسية والإسلامية تقسيم غير قابل للتطبيق. ونتيجة هذه الآلية البريطانية للتقسيم وجدنا المسلمين في القارة الهندية محصورين في دولة صغيرة المساحة وقليلة الإمكانيات وخالية من الموارد والمعادن. في حين تم تشكيل دولة كبيرة المساحة ومليئة بالموارد للهندوس، ودولة الهند أكبر من حجم باكستان سبع مرات. وهذا يعني أن جمهورية باكستان الإسلامية مقارنة بجمهورية الهند أصبحت تساوي في مساحتها وامكانياتها أصغر إقليم داخل الهند وليست بحجم دولة توازي الهند الكبيرة. وفي صباح الاستقلال شهدت المنطقة ولادة معضلة أخرى وهي أن المسلمين الذين ولدوا وعاشوا في داخل الهند أجبروا على الهجرة إلى باكستان تاركين مدنهم وزروعهم وزراعتهم وبيوتهم وأموالهم وأولادهم في الهند. وجدنا الهندوس يتقاسمون على أموال المسلمين الذين هاجروا إلى باكستان كأنه أموال الفيء واللقيط. وفي المقابل وجدنا هناك كثيرا من المسلمين لم يوافقوا على فكرة الهجرة إلى باكستان وأعلنوا ولائهم لدولة الهند مع التمسك بديانتهم الإسلامية. وهذا الموقف أدى فيما بعد إلى اصطدام مباشر بين المسلمين والهندوس داخل الهند. فالهندوس في طبيعتهم يميلون إلى الإرهاب والتطرف والاشتباك على أتفه الأمور. والمتتبع للتركيبة السكانية للهند يدرك جيدا أن هناك بعض الأقاليم والمدن في جمهورية الهند تقطنها الأغلبية المسلمة. وعدد المسلمين اليوم في الهند يتحاوز عدد المسلمين في باكستان. وهذه التركيبة السكانية للهند يؤكد أن تقسيم شبه القارة الهندية على أساس الديانة والمعتقد تقسيم غيرمنطقي ولم يكن قابلا للتطبيق. مندوب الاستعمار البريطاني واللجنة المكلفة لترسيم الحدود بين الدولتين الهندوسية والمسلمة رسموا هذه السياسة عمدا لدفع المنطقة إلى حالة من عدم الاستقرار مستقبلا. ومن جانب آخر لعبت الإدارة البريطانية لعبة ماكرة حول منطقة كشمير ولداخ وجلجت بلتستان، حيث لم يتم ضم هذه المناطق في تلك اللحظة إلى أي دولة بشكل رسمي. وهذه السياسة الماكرة أدت إلى خلق صراعات دامية بين باكستان والهند حول ضم هذه الأراضي تحت سيطرتها. ودارت بينهما حروب مدمرة حول هذه المناطق. ونتيجة هذه الحروب تبادل الجانبان الأدوار للسيطرة على هذه الأراضي؛ وأصبحت منطقة كشمير الكبيرة منقسمة على شطرين(شطر في الهند وشطر في باكستان) مع أن هذه المنطقة تقطنها الأغلبية المسلمة ولا وجود للهندوس في هذه المنطقة. فباكستان تدعي أن منطقة كشمير من نصيبها وفق الآلية البريطانية للتقسيم، لأن منطقة كشمير منطقة مسلمة نظرا للتركيبة السكانية، في حين تدعي الهند أن هذه المنطقة لم يتم ضمها إلى أي جانب وقت الاستقلال ولنا أيضا الحق أن نسيطر على هذه المناطق. ونجد باكستان محقا في دعواها حيث لم نشاهد أية مطالبات أو دعوات من كشمير الحرة( الشطر الباكستاني ) تطالب بالانفصال عن باكستان أو الانضمام للهند، في حين نجد ٩٠% من سكان كشمير المحتلة( الشطر الهندي ) يطالبون بالانفصال عن الهند والانضمام لباكستان.
وأهم نقطة تركيز في هذه القضية هي الغياب التام لدور بريطانيا لحل هذا النزاع مدعية أن حل هذه القضية من مسؤولية الأمم المتحدة. ومن هنا بدأ النزاع الحدودي بين البلدين وتطور هذا النزاع حتى أصبحت السياسة الخارجية لتلك الدولتين تركز على كشمير فقط، واستعدادا لحرب كبيرة حول كشمير؛ بدأت الدولتان الفقيرتان تتسابقان للحصول على السلاح النووي. وفعلا أصبحت كل من الهند وباكستان تمتلكان رؤؤسا نووية ودخلتا في مصاف الدول النووية. يعني أنهما كانتا دولة واحدة تحت الحكم البريطاني وبعد الاستقلال أصبحت كل منهما يتقاتل الآخر، ودخلا في سباق التسلح النووي لتدمير بعضهما البعض وهذا الذي كان تريده بريطانيا أن يحدث في هذه المنطقة.
وهذا المخطط السرطاني دفع المنطقة إلى حافة المواجهة والحروب الدامية، حيث نجد المجتمع الدولي والمنظمات الأممية عاجزة عن علاج هذا السرطان. ولعلنا جميعا نتفق الآن على أن من حق الهندوسي الباكستاني أن يعيش بكل أمان في وطنه باكستان، وأنه من حق المسلم الهندي أيضا أن يعيش بكل أمان في وطنه الهند. فإذاً لماذا تم اختيار الآلية الطائفية ( الهندوسية والمسلمة) وقت استقلال الدولتين؟ الجواب بكل بساطة لخلق فرص المواجهات المباشرة والاضطرابات الداخلية في تلك الدولتين.
والخلاصة أن النزاع الهندي الباكستاني صراع قائم على سياسة المستعمر البريطاني تجاه الدول المستعمرة. حيث قامت بريطانيا بتقسيم شبه القارة الهندية على أساس آلية طائفية من جهة، ولم تحسم آنذاك قضية الحدود الفاصلة بين البلدين بشكل نهائي من جهة أخرى. وهذان السببان (التقسيم الطائفي وفقدان الترسيم الحاسم للحدود) أدى إلى أزمات داخلية ومواجهات إقليمية منذ الاستقلال إلى يومنا هذا. وبإمكان كل من الهند وباكستان أن تعيشا آمنتين إذا نجح المجتمع الدولي في وصف علاج مستدام لهذه التركة الثقيلة التي باتت تهدد أمن المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى