خسران الهند: دعوى الإرهاب.

كتبه/ د. عبدالرحمن بحر( المستشار الإعلامي لدى مركز إندس للدراسات الباكستانية ).
وجدت الهند فرصة في الحادثة التي أودت بحياة 26 سائحًا في كشمير، فاستغلتها لنشر دعايتها، متخذة النموذج الإسرائيلي في غزة ذريعة للضغط على باكستان، وما خلّفه من فراغ قانوني دولي وعجز الدول عن التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، لتطبقه بنفس النسق في باكستان.
رأت الهند أنه من الممكن الاقتصاص من الجيش الباكستاني، على غرار خطوات الجيش الإسرائيلي في الانقضاض على قطاع غزة، فأطلقت عملية “سيندور”، التي ابتدأتها بمهاجمة سبعة مساجد ومدارس دينية في إقليم البنجاب، تابعة لجماعة عسكرية متهمة بالوقوف خلف الحادثة التي وقعت في كشمير الهندية – منطقة بلهارغام.
لم تقم الهند بمهاجمة قواعد عسكرية باكستانية، بل استهدفت مساجد ومنشآت تابعة لجماعة دينية تصفها بالإرهابية، مستخدمة طائرات مسيرة، بعضها من صناعة إسرائيلية، في محاولة لربط ما تقوم به بما تزمع تنفيذه لاحقًا. وظنّت بذلك أنها وضعت الجيش الباكستاني أمام خيارين أحلاهما مرّ:
إما الانسياق وراء مبرر الهند في محاربة الجماعات الإرهابية داخل أراضيه، وهو أمر غير مقبول دون أدلة، خاصة في ظل وضع اجتماعي مضطرب، ناتج عن سجن زعيم المعارضة السياسية؛
أو نفي التهمة، والرد بهجمات عسكرية ضد أهداف هندية، وهو ما كانت الهند تتوقعه لتثبت للمجتمع الدولي أن الجيش الباكستاني لا يقاتل الجماعات الإرهابية، بل يغطي عليها ويحميها.
تخيّلت الهند أنها بهذه الخطوة قد وضعت باكستان في زاوية حرجة، بناءً على قراءة استباقية لتصرف الولايات المتحدة، التي ظنّت الهند أنها ستدعم روايتها وتضغط على الجيش الباكستاني، مما يعزز موقفها، ويفتح الباب أمام فرض مزيد من الإجراءات المشابهة للدعم غير المشروط لإسرائيل، وتحييد المواقف العربية، بما يؤدي إلى دعم عسكري غير محدود للهند في معركتها ضد ما تسميه الجماعات الإرهابية، أو في الحقيقة، محاولة إضعاف الجيش الباكستاني.
الموقف الأمريكي من الصراع
لكن ما حدث كان العكس تمامًا؛ إذ تبنّت الولايات المتحدة موقف الحياد، وذهبت في اتجاه الضغط على الطرفين لقبول هدنة، بدلًا من التصعيد أو الحرب الشاملة. ويُعدّ هذا الموقف الأمريكي علامة فارقة، أربكت الموقف البريطاني الذي كان يُظهر دعمًا للهند في دعوتها للقضاء على الجماعات الإرهابية، كما أربكت إسرائيل التي كانت تؤيد الهند سرًا في خطتها للهجوم على باكستان، على الطريقة الأمريكية – الإسرائيلية في قطاع غزة.
يبدو أن القيادة العسكرية الباكستانية كانت قد أعدت حساباتها بدقة، حين كشفت أن الطائرات المسيرة المستخدمة في الهجمات الهندية هي من صنع إسرائيلي، وهو ما أشعل حماس الشارع الباكستاني للوقوف إلى جانب جيشه، في موقف وطني طبيعي.
لم يكن التحدي الأكبر أمام الجيش الباكستاني في المقارنة العسكرية مع الجيش الهندي، بل في محاولة نزع الشرعية عنه من خلال اتهامه بدعم الإرهاب، وهي تهمة محرجة، خاصة في ظل إدارة ترامب، التي راهنت الهند على كسب دعمها للضغط على باكستان، وإجبارها على القبول بالرواية الهندية.
هذه الفرضية تعززها ظروف باكستان الصعبة: وضع اقتصادي متردٍ، واضطرابات أمنية في إقليم بلوشستان، وانسداد الأفق مع حكومة طالبان الأفغانية، حتى أصبحت كابل تُوصف بأنها أقرب إلى نيودلهي من إسلام آباد.
رغم ذلك، رفض الجيش الباكستاني القبول بالرواية الهندية أو الارتهان لها، وحسم موقفه بشن ضربات عسكرية على قواعد هندية ومنصات إطلاق صواريخ، مركّزًا على العمق الكشميري التابع للهند، مما أجبر الأخيرة على الانتقال إلى موقف الدفاع.
الهدنة ونتائجها
مع استمرار التصعيد، قررت الولايات المتحدة التدخل بقوة، داعية الطرفين إلى وقف فوري لإطلاق النار، وهو ما تم بالفعل. ويُعدّ هذا الموقف انتصارًا للحكومة الباكستانية، وخسارة فادحة للهند، لا على الصعيد العسكري، بل في إطار استراتيجيات مكافحة الإرهاب، ويمكن تلخيص تلك الخسارة في النقاط التالية:
فقدان دعم الولايات المتحدة في اتهام الجيش الباكستاني بالإرهاب.
تجاهل دعوى الإرهاب الهندية والتركيز بدلًا من ذلك على التهدئة.
خيبة الأمل في الموقف الإسرائيلي، الذي لم يُفلح في دفع أمريكا للضغط على باكستان.
مكاسب باكستان في ملف الإرهاب
نجحت باكستان في نفي تهمة دعم الجماعات الإرهابية داخل أراضيها.
ثبتت موقفها الرافض للذرائع الهندية، ورفضت الانجرار خلفها.
قامت بخطوة ذكية بدعوتها إلى فتح تحقيق دولي شفاف، وأعلنت استعدادها للتعاون مع أي لجنة مختصة.
دفعت شفافيتها الأمين العام للأمم المتحدة إلى دعوة الطرفين إلى ضبط النفس والقبول بوقف إطلاق النار، دون الالتفات إلى الادعاءات الهندية.
نالت باكستان إشادات عربية وإسلامية، بل وحتى من الولايات المتحدة، التي وصفت موقفها بقبول وقف إطلاق النار بأنه موقف حكيم ومتسق مع دعوات المجتمع الدولي.
داخليًا، ارتفعت أسهم الجيش لدى الرأي العام، وقلّ الاحتقان الشعبي، وساد الإشادة بجهود الجيش من مختلف فئات المجتمع، من الأحزاب السياسية إلى منظمات المجتمع المدني.
أثبت الموقف الأمريكي المحايد أن الرواية الهندية ليست محل قبول دولي تلقائي، بل يمكن رفضها أو تجاهلها إذا افتقرت للأدلة.
عزز هذا الاتجاه ما قامت به باكستان سابقًا، عندما ردّت على هجوم إيراني في 18 يناير 2024 خلال أقل من 24 ساعة، وأكدت أن سيادتها خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
إن هذه الأحداث مجتمعة ترسل رسالة واضحة للهند ولكل من تسوّل له نفسه: لا عبور إلى الأراضي الباكستانية إلا برضاها، وأي محاولة للتجاوز تستدعي إما تقديم أدلة واضحة، أو تشكيل لجنة دولية محايدة، وإلا فإن الرد الباكستاني سيكون حاضرًا وحاسمًا.
