كلمة إندسمقال رأي

نوبل لترامب: هدية باكستانية في توقيت كارثي.

-كلمة مركز إندس للدراسات الباكستانية-
في خطوة أثارت الكثير من الجدل، أعلنت باكستان رسميًا ترشيح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام، تقديرًا لدوره في الهدنة بين باكستان والهند. لكن ما لبث هذا الإعلان أن تلاشى بريقه، بعدما أعلن ترامب في اليوم التالي عن قيام واشنطن  بقصف منشآت نووية في إيران، ما حوّله في نظر الكثيرين من “صانعي السلام” إلى “مرتكب عدوان خطير” ضد دولة ذات سيادة.
وبين إعلان الترشيح واسقاط القنابل، وقعت إسلام آباد في فخ توقيت كارثي، أعاد طرح أسئلة ملحّة حول حكمة القرار، ومغزاه، وسياقه الحقيقي.
الحقيقة: ترشيح ترامب لجائزة نوبل مرتبط بالهند لا بإيران أو إسرائيل.
ومن باب الانصاف لابد أن ندرك ، أنه لم يكن ترشيح ترامب نابعًا من موقف باكستاني مؤيد لهجماته على إيران، أو لتطبيع علاقاته مع إسرائيل. بل جاء تقديرًا لوساطته التي ساعدت على وقف إطلاق النار بين باكستان والهند، وهي لحظة حساسة تم فيها تفادي تصعيد خطير بين الجارتين النوويتين.
أهداف الهدية:
باكستان أرادت من خلال هذا الترشيح أن:

1. تكسب ود إدارة ترامب مجددًا، في ظل مواقف واشنطن المتقلبة.

2. أن تحدث شرخًا محسوبًا في العلاقات الهندية–الأمريكية، عبر تلميح ضمني بأن واشنطن “أقرب لإسلام آباد” في هذا الملف.

3. أن توجّه رسالة للعالم بأن إسلام آباد حريصة على السلام الإقليمي، وتقدّر الجهود الدبلوماسية الدولية حتى لو جاءت من ترامب.
ولكن السؤال الأهم: لماذا الآن في هذا التوقيت؟
إذا كان هذا هو الهدف الحقيقي، فلماذا لم يُعلن عن الترشيح في التوقيت المناسب؟
أي في اللحظة التي تم فيها إعلان الهدنة بين باكستان والهند قبل شهر تقريبا، حين كانت باكستان قادرة على حصد النقاط الدبلوماسية دون تعقيد المشهد برسائل متضاربة؟
من باب الانصاف والعقلانية أن نبحث هنا أيضا عن أعذار لباكستان لأنها ربما:

* كانت هناك حسابات خاطئة في ذلك الوقت داخل أجهزة السياسة الخارجية، أدت إلى تأخير الإعلان.

* أو أن القرار جاء متأخرًا لأسباب تتعلق بالتنسيق مع اللوبيات داخل أمريكا.

* أو أن الرسالة وُجهت لترامب شخصيًا أكثر من كونها موقفًا رسميًا معلنًا بوضوح للعالم.
لكن، في جميع الحالات، فإن الإعلان تزامن بشكل مؤسف مع تصعيد عسكري أمريكي خطير ضد إيران، ما حوّل الترشيح الباكستاني من مبادرة دبلوماسية إلى سقطة استراتيجية.
بين الدبلوماسية والرمزية الخاطئة:
قد ترى إسلام آباد أن هذا الترشيح مجرد رمزية سياسية لا تعني تأييدًا مطلقًا لشخص ترامب. لكن في عالم السياسة الدولية، الرمزية تُقرأ كرسائل، وتُحمّل معاني أكبر من ظاهرها.
ومع التطورات الأخيرة، بات من الصعب تبرير الترشيح أمام:

* الرأي العام الباكستاني، الذي يرى في الهجمات على إيران تهديدًا للمنطقة.

* الرأي العام الإسلامي، الذي لا ينسى سجل ترامب في دعم إسرائيل ومشاركته في قصف دولة ذات سيادة مستقلة.

* المعارضة الداخلية، التي قد تستخدم هذه “الهدية” كسلاح سياسي لتشويه صورة الحكومة، وقد تؤدي إلى الاطاحة بحكومة شهباز شريف؛ حال حدوث انشقاقات داخل صفوف حزبه.
الخلاصة: التوقيت أخطر من المضمون:
قد يكون المضمون قابلًا للتفهم – أي تقدير باكستان لدور ترامب في منع الحرب مع الهند – لكن التوقيت الكارثي للترشيح دمّر جدوى الرسالة وأفرغها من معناها.
وهكذا تحوّلت محاولة إسلام آباد لكسب التأييد الأمريكي إلى علامة استفهام حول كفاءة القرار السياسي في باكستان.
في عالم السياسة، كما في الحياة، الهدية في غير وقتها قد تصبح إهانة، والترشيح في التوقيت الخاطئ قد يُفسَّر كاصطفاف مع الظالم لا مع السلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى