المؤسس والرئيس التنفيذي للمركز: د. عبدالغني أنجم
أخبار الحروبتحقيقات صحفيةدراساتقراءات أمنيةمقالات

“الزينبيون” من سوريا إلى روسيا…زيلينسكي يكشف.

تحقيق: مركز إندس للدراسات الباكستانية. إسلام آباد/باكستان-

كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مؤخرًا عن وجود مقاتلين أجانب، من بينهم عناصر باكستانية، يقاتلون إلى جانب القوات الروسية ضد أوكرانيا، متوعدًا بمحاسبتهم. هذه التصريحات أثارت تساؤلات جدية حول مسارات المقاتلين الأجانب الذين جندتهم إيران خلال السنوات الماضية، ضمن ما يُعرف بـ”لواء الزينبيون” الذي ضمّ مقاتلين شيعة من باكستان وأفغانستان، تحت ذريعة “الدفاع عن المقدسات” في سوريا، وبخاصة ضريح السيدة زينب في دمشق.لكن مع تراجع حدة النزاع في سوريا وتقلص النفوذ الإيراني العسكري المباشر هناك، أصبحت هذه الميليشيات عبئًا على الدول التي ينتمي أفرادها إليها. في باكستان، أدرجت وزارة الداخلية لواء الزينبيون على قائمة التنظيمات الإرهابية، ما جعل عودة هؤلاء المقاتلين إلى بلادهم محفوفة بالملاحقة الأمنية، والتحقيق، والاشتباه في التورط بأعمال إرهابية أو ارتباطات خارجية مشبوهة. كثير من عناصر هذا اللواء باتوا ملاحقين ومطلوبين من قِبل أجهزة الأمن الباكستانية، ما جعل فكرة العودة إلى باكستان غير واردة بالنسبة لهم.

في هذا السياق، ومع تعثر مشروعهم في سوريا، وجدت إيران – التي لعبت الدور الأكبر في تجنيد هؤلاء المقاتلين – منفذًا جديدًا لتحريكهم نحو ساحة قتال أخرى؛ ألا وهي الحرب الروسية الأوكرانية. العلاقات الوثيقة والمتينة بين طهران وموسكو سهّلت انتقال هؤلاء “المرتزقة” إلى الأراضي الروسية، حيث أصبحت موسكو في حاجة ملحّة إلى مقاتلين لتعويض الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبدتها في المعارك على الجبهات الأوكرانية.ويبدو أن التعاون الأمني والعسكري بين روسيا وإيران تجاوز الدعم اللوجستي والتقني، ليتحول إلى تنسيق على مستوى تسليح وتوزيع الميليشيات العابرة للحدود، التي كانت جزءًا من مشروع “محور المقاومة”، لتصبح الآن أدوات في حرب ذات طابع استراتيجي مختلف يخدم المصالح الروسية.تحوّل المقاتلين الباكستانيين من الدفاع عن “المقدسات” في سوريا إلى المشاركة في غزو بلد أوروبي، يكشف عن هشاشة الشعارات التي رُفعت لتبرير تجنيدهم في الأصل، ويؤكد أن الدوافع لم تكن عقائدية بقدر ما كانت سياسية ومصلحية، سواء لإيران أو للجهات التي احتضنتهم ميدانيًا.المشهد يعكس أيضًا خطورة هذه الميليشيات ما بعد انتهاء مهامها الأصلية، إذ تتحول إلى مجموعات مسلّحة تبحث عن ساحة قتال جديدة، وغالبًا ما تجد نفسها في خدمة أجندات دولية لا تمتّ بصلة إلى القضايا التي حملت شعاراتها سابقًا.ومما زاد المشهد تعقيدًا، هو أن إيران لم تكتفِ بتجنيد المقاتلين من مناطق باكستانية معتادة على النزاعات، بل دفعت بمناطق لم تعرف الإرهاب من قبل نحو أتون القتال والتفجير. فقد عملت طهران على تعبئة بعض أبناء منطقة جلجت بلتستان، وهي منطقة باكستانية جبلية ذات أغلبية شيعية ومعروفة بسكانها المسالمين، وحوّلتهم إلى أدوات في مشروعها العسكري في سوريا.وبحسب دراسة أجراها مركز إندس للدراسات الباكستانية، فإن جلجت بلتستان تُعدّ من أكثر المناطق الباكستانية التي التحق أبناؤها بـ”لواء الزينبيون” في سوريا، ما جعل الحكومة الباكستانية تنظر إليهم كخطر أمني محتمل. وبناء عليه، تم تصنيف اللواء كتنظيم إرهابي، ووُضِع عناصره ضمن قوائم المطلوبين للسلطات الأمنية.وتؤكد مصادر شيعية للمركز أن نحو 65% من عناصر الزينبيون الباكستانيين لا يزالون مقيمين في إيران، برفقة أسرهم، في ظل بيئة تسمح لهم بالبقاء بعيدًا عن المحاسبة. وقد استغل عدد منهم فترة الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة، حين فتحت الحكومة الباكستانية ممرات برية لإجلاء رعاياها، ودخلوا باكستان عبر المنافذ الحدودية دون رصد أو تتبع دقيق.فخلال ذروة الاضطرابات، تم تسهيل سفر المواطنين الباكستانيين من إيران عبر اختام خروج مباشرة على الحدود دون العودة للسفارة، لكن السفارة الباكستانية في طهران لاحظت دخول أعداد من الباكستانيين دون ختم دخول أو حتى تأشيرة، مستغلين الفوضى والازدحام عند نقاط التفتيش الحدودية. وبناءً على ذلك، أغلقت السلطات الباكستانية الحدود البرية مع إيران في اليوم التالي، كإجراء احترازي لمنع تسلل عناصر مطلوبة أمنيًا.وفي تطور آخر، منعت السلطات الباكستانية مؤخرًا سفر الزوار الشيعة عبر المعابر البرية إلى إيران والعراق، خاصة خلال مواسم العيد والزيارات الدينية، خشية استغلال هذه الفترات لنقل أو تحريك عناصر قد تتوجه لاحقًا إلى ساحات قتالية تحت غطاء ديني.

تصريحات زيلينسكي، في هذا الإطار، ليست سوى رأس جبل الجليد الذي يكشف عن شبكات من المقاتلين الأجانب الذين جُنِّدوا لأهداف تتغيّر بتغيّر المصالح، وهو ما يشكل تحديًا كبيرًا للأمن الإقليمي والدولي، وخاصة لبلدان المنشأ مثل باكستان، التي تواجه خطر “الارتداد الجهادي” لهؤلاء المقاتلين في حال عودتهم، أو تحوّلهم إلى أدوات قتال في صراعات لا تنتهي.

المواقف الرسمية: صمت يعزز الاتهام:

لم تُصدر أي من باكستان أو إيران أو روسيا حتى الآن تعليقًا رسميًا على تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشأن وجود مقاتلين باكستانيين يقاتلون في صفوف الجيش الروسي. هذا الصمت اللافت من الأطراف المعنية يُفسَّر، بحسب مراقبين، على أنه إقرار ضمني، خاصة في ظل غياب أي نفي مباشر من موسكو أو إسلام آباد، وهو ما كان متوقعًا لو لم تكن هناك عناصر من “لواء الزينبيون” متورطة فعلًا في المعارك الدائرة شرق أوكرانيا.ورغم أن باكستان ليست طرفًا في الحرب الروسية الأوكرانية، ولا مصلحة لها في إرسال مقاتلين إلى هناك، إلا أن جملة من المعطيات تشير إلى أن هؤلاء العناصر لم يتحركوا بقرار باكستاني، بل جُنِّدوا منذ سنوات عبر قنوات إيرانية وسُوريّة ضمن مشروع القتال إلى جانب نظام الأسد في سوريا. ومع سقوط هذا النظام وانتهاء مهمة تلك الميليشيات، لجأ غالبية مقاتلي الزينبيون إلى إيران، التي تُعدّ الطرف الأكثر تأثيرًا في توجيههم لاحقًا.ويُرجّح أن طهران، في ظل شراكتها الاستراتيجية مع موسكو، قدّمت هؤلاء “المرتزقة” كقوة قتالية جاهزة ضمن إطار دعمها العسكري غير المباشر لروسيا، ما يجعل وجودهم في أوكرانيا اليوم امتدادًا لتحركات إيران العابرة للحدود، وليس نتاجًا لقرار سيادي باكستاني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى