المؤسس والرئيس التنفيذي للمركز: د. عبدالغني أنجم
ثقافةثقافة وتاريخخبر و تعليقمحليات

باكستان: مبادرة حكومية تُشعل النزاع المذهبي حول مواقيت الصلاة

إندس – إسلام آباد

في خطوة وُصفت بالاجتماعية والجريئة، أعلنت وزارة الشؤون الدينية الباكستانية أنها بصدد دراسة تحديد توقيت موحد للصلوات الخمس في إسلام آباد وراوالبندي، وذلك في إطار مبادرة تهدف إلى تقليص التباينات المذهبية وتعزيز الانسجام الديني داخل العاصمة.

وتقول الوزارة إن القرار يأتي بعد ملاحظات ميدانية تشير إلى أن اختلاف المدارس الفقهية في البلاد—وخاصة بين الحنفية والحنابلة—خلق تباينًا ملحوظًا في توقيت صلوات الفجر والظهر والعصر، والجمعة، بلغ في بعض الأحيان فارقًا يتجاوز ساعة كاملة.

خلافات ميدانية داخل المساجد

وتوضح مصادر في الوزارة أن هذا الفارق الزمني تسبب خلال السنوات الأخيرة في احتكاكات داخل بعض المساجد، حيث يُقيم أصحاب الفقه الحنبلي الصلاة مبكرًا، بينما يرفض المصلّون من أتباع الفقه الحنفي الدخول معهم في الجماعة، ليعاد الأذان مرة أخرى بعد نحو ساعة، وتقام جماعة ثانية.

وتؤكد الوزارة أن تكرار هذه المشاهد داخل العاصمة، خاصة في المناطق المشتركة بين المصلين من مذاهب مختلفة، يشكل مؤشرًا خطيرًا على إمكانية تفجر توترات مذهبية مستقبلية إذا لم تتم معالجتها مبكرًا.

تأثير مباشر على الدوام الحكومي

كما تشير تقارير حكومية إلى أن تفاوت أوقات الصلوات تسبب في إرباك واضح في الدوائر الرسمية، حيث يخرج بعض الموظفين لأداء الصلاة مبكرين، بينما يتأخر آخرون، ما ينعكس سلبًا على سير العمل وانضباط العاملين داخل المؤسسات العامة.

مواقف الجماعات الدينية

يرى المفتي افتخار الزاهدي أن المقترح الحكومي لا ينسجم مع روح الشريعة الإسلامية التي وسعت الخلاف الفقهي وأقرّت بتعدد الآراء في مسائل العبادات، معتبرًا أن محاولة فرض توقيت موحّد للصلوات تتعارض مع هذا المبدأ.

وقال الزاهدي في تصريحاته إن تحديد أوقات الصلوات ليس شأنًا سياسيًا ولا يدخل ضمن صلاحيات الوزراء الذين، بحسب تعبيره، يمثّلون تكتلات سياسية لا مرجعيات دينية، مشددًا على أن مثل هذه المسائل ينبغي أن تُبحث في إطارها الشرعي وبإشراف العلماء المختصين، لا ضمن القرارات الإدارية أو الضغوط الحكومية.

ويرى رئيس جمعية أهل الحديث في باكستان، الدكتور هشام إلهي ظهير، أن المقترح الذي تقدّمت به وزارة الشؤون الدينية بشأن توحيد أوقات الصلوات لا يحظى بالأولوية ولا يمثّل حلاً عمليًا. ويشير إلى أنه إذا كانت الحكومة جادّة في تعزيز إقامة الصلاة، فالأولى بها تمويل بناء المساجد، وإلزام المحال التجارية بالإغلاق أثناء أوقات الصلاة، وإطلاق برامج توعوية تهدف إلى دمج غير المصلّين وتشجيعهم على الالتزام بأداء الشعائر.

ويؤكد هشام أن توحيد أوقات الصلوات غير قابل للتطبيق في باكستان في ظل التنوّع المذهبي والفقهي بين المكوّنات الدينية في البلاد. كما تساءل عن حصر التجربة في إسلام آباد فقط، معتبرًا أن القرار يثير علامات استفهام:
لماذا يُطبَّق التوحيد في العاصمة وحدها؟ ولماذا لا يشمل جميع المدن الباكستانية؟ هل لإسلام آباد إسلامٌ مختلف عن بقية مناطق الدولة؟

موقفه يعكس جدلًا متصاعدًا حول جدوى الخطة وإمكانية تنفيذها في بلد يتسم بتعدّد ديني ومذهبي راسخ.

لجنة شرعية مشتركة لدراسة المقترح

وقد أحالت وزارة الشؤون الدينية المقترح إلى مجلس الفكر الإسلامي (ITC)، وهو الهيئة الرسمية المخولة بمراجعة التشريعات الدينية في باكستان، وذلك للتشاور مع علماء المذاهب الأربعة وممثلي الطوائف الدينية قبل اعتماد أي قرار نهائي.

وبحسب مصادر داخل المجلس، فإن التوجه الحكومي يهدف إلى الوصول إلى صيغة وسط تحترم اختلاف المذاهب لكنها تضمن سلمًا اجتماعيًا داخل العاصمة، خصوصًا في ظل ازدياد التوترات الطائفية في بعض المناطق خلال السنوات الماضية.

خطوة نحو تهدئة المزاج الطائفي؟

ويرى مراقبون أن المبادرة، رغم حساسيتها، قد تمثل خطوة مهمة نحو تقليل الاحتقان المذهبي في بلد يُعد من الأكثر تنوعًا من حيث المدارس الفقهية في العالم الإسلامي، فيما يرى آخرون أنها قد تثير اعتراضات واسعة من بعض الجماعات التي تصر على استقلالية مدارسها الفقهية في تحديد أوقات الصلاة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى