المؤسس والرئيس التنفيذي للمركز: د. عبدالغني أنجم
تحليلاتدراساتسياسةمحلياتمقالات

باكستان: تعديلات دستورية من البرلمان، واستقالات جماعية من القضاة.

إعداد: مركز إندس للدراسات الباكستانية- إسلام آباد-

تقرير مفصل يتناول البنود التي شملت في التعديل الدستوري السابع والعشرين، واستقالات جماعية في المحكمة العليا، ودلالاتها، وتداعيات التعديل الدستوري على نظامي الحكم المدني والعسكري. وسيناريو مستقبل النظام الجمهوري. وأهم الأحداث المرتقبة بعد هذه التعديلات الدستورية الأخيرة. والنتائج المحتملة على المدى القصير والمتوسط والطويل على النظام الدستوري والسياسي والمؤسساتي والاقتصادي.

أولاً: ما الذي حدث؟ — التسلسل الزمني للأحداث:

١٢ نوفمبر ٢٠٢٥ البرلمان أقرّ قانون التعديل الدستوري السابع○ والعشرين، وسط معارضة قوية من كبريات الأحزاب السياسية الباكستانية. تم تمرير المشروع بسرعة في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ منتصف نوفمبر 2025، ووقّع عليه الرئيس اليوم ١٣ نوفمبر ليصبح قانوناً نافذاً.

○ التعديل أدى إلى إنشاء “المحكمة الدستورية الفدرالية” وينص على نقل صلاحيات واسعة من المحكمة العليا الى المحكمة الفدراليةالمستحدثة. التعديل أعاد هيكلة النظام القضائي ومسار التعيينات، وضمّ بنودا تتعلق بشخصيات ومؤسسات محددة تمسّ القضاء والجيش، ما دفع المنتقدين لوصفه بأنه “خلع المحكمة العليا عن عرشها الدستوري”.

○ التعديل وسّع سلطات المؤسسة العسكرية ومنح حصانات وصلاحيات جديدة لكبار المسؤولين. حيث تم استحداث منصب “القائد الأعلى للقوات المسلحة” برتبة خمس نجوم، ومنح القائد الحالي حصانة قانونية مدى الحياة – إلى جانب شخصيات أخرى – بما يعزز مركزية القيادة ويمنح حماية دائمة فوق مصالح الدولة من الملاحقة. كأنهم أصبحوا فوق القانون وقد تؤدي هذه الصلاحيات لاستغلالها ضد الدولة نفسها.

○وبُعيد تصديق الرئيس، أعلن قاضيان بارزان في المحكمة العليا، هما القاضي منصور علي شاه والقاضي أطهر من الله، استقالتهما احتجاجاً على ما وصفاه بأنه “اعتداء خطير على الدستور والقضاء ”.وقد قدما خطابات استقالة رسمية للرئيس الباكستاني وصرّحا علناً بأن التعديل يُقوّض دور المحكمة العليا.

ثانياً: أسباب استقالة القضاة — الاعتراضات القانونية والمؤسسية الجوهرية:

استناداً إلى بيانات القضاة وتحليلات الخبراء القانونيين في المحاكم الباكستانية، يمكن تلخيص أسباب الاستقالة في ثلاث نقاط رئيسية:

1. إلغاء مكانة المحكمة العليا كمرجع دستوري نهائي. نقل اختصاصات المحكمة الدستورية إلى هيئة جديدة يُعدّ تقويضاً لدورها التاريخي كحارس للدستور واستقلال القضاء. وجاءت الاستقالة الجماعية لأبرز القضاة احتجاجا على ذلك.

2. نصوص مُفصّلة على مقاس السلطة التنفيذية والعسكرية.التعديل تضمنت بنودا تمنح الحصانة لبعض المناصب العليا – كقائد الجيش والرئيس – وتُعيد إستاد صلاحيات تعيين رئيس المحكمة ونائبه بما يخدم السلطة التنفيذية والعسكرية، وهو ما أثار المخاوف بشأن تضارب المصالح وفصل السلطات.

3. خرق للإجراءات الدستورية والمعايير الديمقراطية. يرى المحللون أن التعديل أُقرّ على عجل دون نقاش كافٍ أو توافق سياسي، ما خلق أزمة شرعية لقانون يُعيد تشكيل مؤسسات الدولة. القضاة الذين يؤمنون باستقلال القضاء اعتبروا أن هذه التغييرات تجعل من المستحيل عليهم أداء مهامهم باستقلالية، فجاءت استقالاتهم بمثابة احتجاج مبدئي ورسالة تحذير إلى المجتمع القانوني والمدني والدولي.

ثالثاً: التأثيرات الفورية (خلال أيام أو أسابيع):

○ فراغ قضائي وفقدان الخبرة. استقالة القضاة الكبار مثل القاضي أطهر من الله أضعفت تركيبة المحكمة العليا وأفقدتها خبراتها التراكمية، مما يعقّد البت في القضايا العاجلة ويؤخر سير العدالة.

○ أزمة شرعية للحكومة وللتعديل. انسحاب قضاة عاملين بهذه المكانة يمنح المعارضة ذخيرة قوية لاتهام الحكومة بالتسلط، ويزيد من الضغوط الشعبية والإعلامية والدولية، مع توقع صدور بيانات من نقابات المحامين والقضاة المتقاعدين ومنظمات المجتمع المدني.

○ تصاعد الاستقطاب السياسي والاحتجاجات.أحزاب المعارضة، وخاصة حركة إنصاف، وحزب مولانا فضل الرحمن أعلنت رفضها الكامل للتعديل، ومن المرجح أن تشهد البلاد مظاهرات واسعة تزيد من حدة الاضطراب السياسي.

رابعاً: التداعيات المتوسطة المدى (خلال الأشهر القادمة):

○ مزيد من تسييس القضاء. إعادة هيكلة التعيينات وإنشاء المحكمة الدستورية الفدرالية بآليات ترشيح خاضعة للحكومة سيجعل القضاء أكثر ميلاً للسلطة وأقل استقلالية. مما قد تفقد المحكمة مصداقيتها أمام الشعب الباكستاني قبل المنظمات القضائية الدولية.

○ ترسيخ النفوذ العسكري والتنفيذي. التوسع في صلاحيات الجيش ومنح الحصانة لقادته يخلق إطاراً قانونياً يُكرّس نفوذ المؤسسة العسكرية في الحكم ويحدّ من المساءلة.

○ صراعات قانونية ودستورية متوقعة. من المنتظر أن تُرفع طعون ودعاوى من قبل نقابات المحامين وحكومات الأقاليم ومنظمات المجتمع المدني، لكن نتائجها تبقى غامضة بعد تقليص سلطات المحكمة العليا.

خامساً: السيناريوهات طويلة المدى (خلال 1–5 سنوات):

1. ترسيخ الحكم السلطوي (احتمال مرتفع إذا استمر التوافق بين الحكومة والجيش):○ هيمنة المحكمة الجديدة الموالية للسلطة وتراجع المساءلة.○ تقويض المعارضة السياسية وتضييق الحريات العامة.○ مواقف دولية انتقادية شكلية دون إجراءات عملية، مع تراجع أصوات الداخل.

2. تراجع جزئي أو تسوية سياسية (احتمال قائم إذا ارتفعت الكلفة السياسية):○ ضغوط داخلية وخارجية تؤدي إلى مراجعة التعديل أو تعديل بعض بنوده. ○ إمكانية استعادة جزء من صلاحيات المحكمة العليا.○ نجاح هذا السيناريو مرهون بقدرة المعارضة على التوحد وتزايد الانقسام داخل النخبة الحاكمة.

3. فوضى مؤسساتية وعدم استقرار مزمن (احتمال متوسط):○ انهيار الثقة بين السلطات الثلاث.○ غموض قانوني متكرر، وهروب الاستثمارات الأجنبية، وتدهور الأداء الحكومي.○ تصاعد الاحتجاجات والاضطرابات المحلية.

سادساً: الانعكاسات الأوسع — السياسة والاقتصاد والعلاقات الخارجية وحقوق الإنسان:

○ سياسياً: ينتقل مركز الثقل نحو القوى غير الدستورية مع تقلّص دور المدنيين، وقد تنقسم المعارضة أو تتجه نحو التشدد. وحتى إلى انشقاقات داخل الحزب الحاكم.

○ اقتصادياً: تزايد المخاطر السياسية وتراجع الثقة بالقضاء سيؤثران سلباً على الاستثمار وسعر العملة والعلاقات مع المؤسسات المالية الدولية.

○ حقوق الإنسان وحكم القانون: الحصانات الممنوحة وتراجع استقلال القضاء سيفتحان الباب أمام انتهاكات دون مساءلة، وتضييق على الصحافة والمجتمع المدني، وانتشار الفساد داخل هرم السلطة.

○ خارجياً: الشركاء الغربيون سيعبّرون عن القلق من المساس بسيادة القانون، بينما ستُعطي الدول ذات المصالح الاستراتيجية الأولوية للاستقرار على حساب الديمقراطية.

سابعاً: مؤشرات المتابعة ( السيناريوهات المرتقبة):

1. هوية القضاة المعيّنين في المحكمة الدستورية الجديدة ومدى استقلالهم.

2. حجم واتساع الاحتجاجات وموقف حكومات الأقاليم منها.

3. نوعية الدعاوى المقدمة أمام المحاكم الأدنى واستجابة النظام القضائي لها.

4. تصريحات القيادة العسكرية ومضمون خطابها العلني.

5. ردود أفعال المؤسسات المالية الدولية والشركاء الثنائيين الرئيسيين. مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والصين والسعودية.

ثامناً: الخطوات المتوقعة من الأطراف المختلفة:

○الائتلاف الحاكم ( حزبا نوازشريف وزرداري) : سيسعى لتسريع تنفيذ التعديل وتعيين شخصيات موالية لتفادي أي ارتباك مؤسسي.

○ القيادة العسكرية: قد تقدم التعديل كإصلاح يضمن “الانضباط والاستقرار”، فيما الحقيقة ستتضح من ممارستها الميدانية.

○ أحزاب المعارضة وحكومات الأقاليم: ستلجأ إلى القضاء والشارع في آن واحد لمواجهة التعديل. ومن المحتمل أن يشهد إقليم خيبربختونخوا مظاهرات واحتجاجات قوية.

○ الهيئات القانونية والقضاة المتقاعدون: سيصدرون بيانات استنكار وقد يتقدمون بعريضة للمراجعة الدستورية. لاستعادة صلاحيات المحكمة العليا.

تاسعاً: الخلاصة — لماذا الأمر بالغ الأهمية؟

التعديل السابع والعشرون لا يمثل مجرد إعادة هيكلة إدارية للقضاء، بل يعيد رسم مبدأ فصل السلطات في الدولة ويمنح غطاء قانونياً يحصّن أقوى الفاعلين من المساءلة. استقالة قضاة المحكمة العليا ليست خطوة رمزية فقط، بل إنذار جدي بأن النخبة القضائية ترى في هذا التعديل تهديداً وجودياً للنظام الدستوري. المرحلة المقبلة ستحدّد ما إذا كانت باكستان تتجه نحو ترسيخ الحكم العسكري–المدني المشترك أم نحو معركة طويلة لاستعادة استقلال القضاء وحكم القانون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى