مقال رأي

الرهان الأميركي الأخير

كتبه/ جاويد نقوي – كاتب هندي.
ترجمة: (فريق مركز إندس للدراسات الباكستانية)-
وُصفت إسرائيل مرارًا بأنها “سفينة أمريكا التي لا تُغرق” في الشرق الأوسط. لكن هذه السفينة، كما يبدو، باتت تتلقى ضربات مباشرة من صواريخ إيرانية دقيقة، اخترقت القبة الحديدية الشهيرة وكأنها تستهدف بدن السفينة ذاته. الحرب التي بدأت كتهديد لإيران،تحوّلت إلى تهديد وجودي لإسرائيل، في ظل ردّ إيراني غاضب وصادم، أربك الغرب بأسره، رغم الخسائر البشرية الكبيرة التي تكبّدتها طهران.
في خضم هذا التصعيد، يفاخر الرئيس دونالد ترامب بأن أمريكا تصنع أفضل الأسلحة في العالم – وهي نفسها التي “أهداها” لإسرائيل. إلا أن تقارير (لم تُتحقق مستقلًا بعد) أفادت بأن طائرات أمريكية من طراز F-35 قد تم إسقاطها، وهو ما إن صحّ، فهو إذلال هائل للصناعة العسكرية الأمريكية، ولترامب نفسه. فإن نجحت دولة محاصرة اقتصاديًا ومحدودة الموارد طائرات من هذا النوع، فهو حتما تحول دراماتيكي في معادلة القوة الجوية.
أي ضربة لطائرة حربية من هذا الطراز قد تُحدث هزّة في سوق السلاح العالمي، كما حدث حين سخر محللون أمريكيون من طائرات “رافال” الفرنسية في خسائر الهند أمام باكستان. فماذا لو انقلبت الآية الآن؟
هل إسرائيل مجرد إرث من الحرب الباردة؟
لقد كانت إسرائيل ضرورة استراتيجية في مواجهة المدّ السوفيتي بين الدول العربية، وهو ما ساعد الغرب على غضّ الطرف عن امتلاكها سلاحًا نوويًا سرّيًا، رغم أنها لم تُعلن ذلك رسميًا. ويُعدّ هذا تناقضا صارخًا في الموقف الغربي مقارنةً بالموقف من برنامج إيران النووي، والذي يتهم بمحاولة امتلاك سلاح نووي رغم وجود فتوى دينية إيرانية تحرّم أسلحة الدمار الشامل.
من المفارقات أن الغرب تجاهل اختطاف إسرائيل للعالِم النووي مردخاي فعنونو، الذي كشف أسرار مفاعل “ديمونة” في 1986. حيث تم استدراجه إلى إيطاليا وتخديره على يد “الموساد”، ليتم نقله سرًا إلى إسرائيل ومحاكمته، بعد أن سرّب معلومات لصحيفة بريطانية.
إسرائيل فوق المحاسبة… حتى قبل تأسيسها!
منذ ما قبل إعلان قيام الدولة اليهودية في عام 1948، نفّذ المتطرفون الصهاينة هجومًا إرهابيًا على فندق الملك داود عام 1946، راح ضحيته عشرات الجنود البريطانيين. ومع ذلك، تغاضى الغرب عن هذه الجرائم. وتشير تقارير إلى أن إسرائيل سرقت أسرارًا نووية من أمريكا منذ خمسينيات القرن الماضي، بينما تمّ إعدام جوليوس وإيثيل روزنبرغ في الولايات المتحدة عام 1953 بتهمة تسريب أسرار نووية للاتحاد السوفيتي، دون دليل قاطع.
نتنياهو يستنجد… لكن بثمن باهظ:
ظهر بنيامين نتنياهو في خطاب متلفز وهو يستجدي تدخّل أمريكا المباشر في حربه ضد إيران، مستشهدًا بتفجير بيروت عام 1983، الذي قتل فيه 300 جندي أمريكي وفرنسي، زاعمًا أن إيران خططت أيضًا لاغتيال ترامب خلال انتخابات 2024.
لكن هذه المطالب قوبلت بغضب من محللين وعسكريين أمريكيين، الذين اعتبروا أن نتنياهو يحاول جرّ واشنطن إلى حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل. وذكّروا ترامب بأن أمريكا خسرت 12 تريليون دولار في الشرق الأوسط منذ 2003، بينما ديونها الوطنية اليوم تبلغ 34 تريليون دولار.
كابوس اسمه “مضيق هرمز”
حذّر الكولونيل المتقاعد دوغلاس ماك غريغور من أن أي ضربة إسرائيلية لمنشآت نفطية إيرانية، مثل جزيرة خرج أو بندر عباس، قد تدفع إيران لإغلاق مضيق هرمز – شريان 20٪ من صادرات النفط العالمية – مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود في أمريكا إلى 7 دولارات للجالون، وانهيار سلاسل التوريد وارتفاع التضخم، إضافة إلى شلل تام في حركة الملاحة والشاحنات؛ وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وقد تؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة بين الجنود الأمريكيين.
ولفت ماك غريغور إلى أن إيران تملك طائرات “شاهد-136” المسيّرة بتكلفة 20 ألف دولار، في حين تتكلّف صواريخ “باتريوت” الأمريكية 4 ملايين دولار للصاروخ الواحد. بمعنى آخر: إيران تستنزف ترسانة أمريكا بأبخس الأثمان، بينما تعود التوابيت إلى الوطن.
هل من مخرج دبلوماسي؟
طرح ماك غريغور إمكانية عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، تُعلن فيها أمريكا بوضوح رفضها تدمير إيران أو أي دولة أخرى في المنطقة. وهو طرح تبنّاه فلاديمير بوتين في مكالمة هاتفية مع ترامب.
وفي الختام:
إما أن تُساق أمريكا إلى رهان نتنياهو الأخير وتخسر ما تبقى من مكانتها في المنطقة… أو تعود إلى مبدأ التوازن والعقلانية. فالسؤال لم يعد عن إسرائيل فقط، بل عن مصير النظام الدولي ذاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى