المؤسس والرئيس التنفيذي للمركز: د. عبدالغني أنجم
اقتصادتحليلاتدراساتمقالات

الحشيش والأفيون يفضحان هشاشة اقتصاد طالبان

إعداد: وحدة الاقتصاد بمركز إندس للدراسات الباكستانية-

تشهد العلاقات الباكستانية–الأفغانية توتراً غير مسبوق، امتدّ تأثيره من الميدان الأمني والسياسي إلى عمق الاقتصاد الأفغاني، الذي يعتمد بشكل بارز — وإن كان غير معلن رسميًا — على عوائد تجارة الحشيش والأفيون والمواد المخدرة باعتبارها أحد أهم مصادر التمويل غير الشرعية لحركة طالبان. ومع تعليق إصدار البضائع الأفغانية إلى باكستان وإغلاق المعابر الحدودية الحيوية، بدأت ملامح أزمة اقتصادية خانقة تظهر داخل أفغانستان، كاشفة هشاشة البنية المالية للحركة.

الحدود شريان الاقتصاد.. وإغلاقه ضربة قاصمة

تُعد الحدود البرية مع باكستان—وخاصة معابر طورخم وسبين بولدك—العصب الأساسي لحركة التجارة الأفغانية. ومع تصاعد الخلافات السياسية والأمنية بين الجانبين، اتخذت طالبان خطوة مفاجئة بتعليق إصدار البضائع المتجهة إلى باكستان. هذه الخطوة لم توقف الصادرات الشرعية فحسب، بل شلّت أيضاً السوق السوداء التي تمر عبر نفس الطرق، وعلى رأسها تجارة الحشيش. باكستان تمثل الممر الأكبر لتهريب الحشيش الأفغاني نحو الأسواق الإقليمية والدولية. ومع تشديد الرقابة وإغلاق المعابر، تتكدس الشحنات داخل الأراضي الأفغانية، ما أدى إلى:

○ انكماش أسعار الحشيش داخل أفغانستان بسبب فائض الكميات.

○ انقطاع التدفقات المالية التي كانت تصل بشكل منتظم عبر المهربين والشبكات المرتبطة بطالبان.

○ تعطّل شبكات النقل والتهريب التي تشغل آلاف الأشخاص في الولايات الجنوبية والغربية.

الاقتصاد الموازي لطالبان في ورطة:

رغم نفي الحركة المتكرر، فإن عوائد تجارة المخدرات—الحشيش، الأفيون، ومشتقاتهما—تشكل جزءاً أساسياً من التمويل الموازي غير الرسمي لطالبان. وتستفيد الحركة عبر:

○ فرض “عُشور” و”ضرائب طرق” على المهربين.

○ حماية مزارع الحشيش مقابل مبالغ ثابتة.

○ شراكات مع شبكات تهريب محلية ودولية.

ومع توقف التصدير نحو باكستان، فقدت هذه المنظومة المالية فجأة أهم منافذها، مما تسبب في:

○ تراجع ملحوظ في الإيرادات غير الشرعية للحركة.

○ تزايُد التوتر الداخلي بين القادة المحليين ممن يعتمدون على هذه التجارة لتمويل مناطق نفوذهم.

○ تأثيرات مباشرة على السوق المحلي بما في ذلك ارتفاع أسعار السلع الأساسية نتيجة اضطراب التجارة القانونية.

باكستان مستفيدة مؤقتاً.. لكنها تخسر أمنياً على المدى القصير، أدى توقف تدفق المخدرات إلى تقليل المعروض داخل باكستان وإرباك شبكات التهريب، وهو ما يراه بعض المسؤولين مكسباً أمنياً. لكن هذا المكسب قصير الأمد، إذ إن:

○ تراجع اقتصاد طالبان قد يدفع الحركة لغضّ الطرف عن تنامي نشاط داعش-خراسان.

○ انسداد طرق التهريب قد يولّد موجة جديدة من التهريب عبر الحدود الوعرة.

○ اشتداد الأزمة الاقتصادية داخل أفغانستان سيولد ضغوطاً أمنية وهجرات غير شرعية جديدة نحو باكستان.أي أن الفوضى الاقتصادية في كابل قد تنقلب سلباً على إسلام آباد سريعاً.

لماذا يُعدّ الحشيش العامل الأكثر تأثيراً في أزمة طالبان الاقتصادية؟

يشكّل الحشيش والأفيون الأفغاني أهم الموارد المالية غير المعلنة لطالبان، إذ تنظر إليه الحركة باعتباره “عموداً مالياً صامتاً” يغذي خزائنها عبر الضرائب، وحماية طرق التهريب، وشبكات التعامل مع المهربين عبر الحدود الباكستانية. وقد ساهم محصول أفغانستان بحلول عام 2021، في أكثر من 90% من الهيروين غير المشروع على مستوى العالم، وأكثر من 95% من المعروض الأوروبي. تُستخدم الأراضي في أفغانستان لإنتاج الأفيون أكثر من استخدام الأراضي في أمريكا اللاتينية من أجل الكوكا. تصنف أفغانستان كأكبر منتج للمخدرات غير المشروعة في العالم بحلول عام 2001. أُنتج 93% من المواد الأفيونية غير الصيدلانية في السوق العالمية عام 2007 في أفغانستان، وكانت أفغانستان بحلول عام 2019 منتجةً لحوالي 84% منها عالميًا. وقد اكتسبت هذه التجارة خلال العامين الماضيين طابعاً شبه شرعي داخل الأوساط المحلية، لكون الجميع—من الفلاح إلى التاجر وحتى المسؤول—يعلم أن حركة البضائع عبر المعابر الباكستانية تتضمن كميات كبيرة من الحشيش، وأنها تمر بغطاء غير مباشر رغم الادعاءات الرسمية.ولهذا، فإن قرار طالبان تعليق التجارة مع باكستان أصاب أكثر مورد اقتصادي حسّاس للحركة. فإغلاق المعابر يعني توقف المسار الطبيعي الوحيد الذي كان يضمن تدفق هذه التجارة نحو الأسواق الإقليمية. ومع إعلان الحركة اعتماد “مسارات تجارية جديدة” تمر عبر الهند وإيران، تصبح المفارقة واضحة: فهاتان الدولتان لن تسمحا لطالبان مطلقاً باستخدام أراضيهما لتصدير المخدرات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

الطرق الجديدة مغلقة أمام أكثر تجارة تعتمد عليها طالبان، ما يضع الحركة أمام ضربة مالية مركّبة:

○ توقف صادرات الحشيش فجأة،

○ انكماش الإيرادات غير الشرعية،

○ انهيار المنظومة المالية الموازية التي كانت تغذي مناطق النفوذ،

○ وتزايد الضغوط الداخلية نتيجة فقدان القيادات المحلية لمواردها.

اقتصاديات طالبان مقبلة على هبوط حاد وتعرّض لهشاشة غير مسبوقة، لأن المورد الوحيد الذي كان يعوّض غياب الاستثمارات والاعتراف الدولي بات مشلولاً بالكامل، ولا يمكن تعويضه عبر الطرق الجديدة التي افتتحتها الحركة.طالبان أمام اختبار صعب: اقتصاد بلا بدائل

بعد أربع سنوات من حكم طالبان، يبدو الاقتصاد الأفغاني أكثر هشاشة مما تعلنه بيانات الحركة. ورغم الترويج لمشاريع استثمارية مع الصين ودول المنطقة، فإن:

○ غياب الاعتراف الدولي،○ ضعف النظام المصرفي،

○ الهجرة الواسعة للخبرات الأفغانية،

○ اعتماد الاقتصاد على الضرائب والمخدرات

،كلها عوامل تجعل أي صدمة—كإغلاق الحدود—ذات أثر مضاعف.حظر تصدير الحشيش ليس مجرد قرار إداري، بل ضربة تكشف انهيار نموذج اقتصادي يعتمد على ما تحت الطاولة أكثر مما يعتمد على الموارد الرسمية.

الخلاصة

الخلافات المتصاعدة مع باكستان لم تعد أزمة سياسية فقط، بل تحولت إلى زلزال اقتصادي يضرب قلب التمويل غير المعلن لطالبان. ومع تعليق التجارة الحدودية، انكشفت هشاشة اقتصاد يعتمد على المخدرات والتهريب كأهم شرايينه.إن استمرار الانسداد الحدودي يعني دخول أفغانستان مرحلة انكماش أشد، وقد يدفع الحركة إلى خيارات أكثر تصلباً داخلياً وخارجياً، الأمر الذي سيزيد التوتر في كامل المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى