
كلمة مركز إندس للدراسات الباكستانية-

في مشهد مثير ومربك للمنطق السياسي التقليدي، أثار الهجوم الإيراني المزعوم على قاعدة العديد الأمريكية في الدوحة – عقب الضربة الأمريكية ضد المنشآت النووية الإيرانية – تساؤلات عميقة حول صدقية التصعيد، وحدود التفاهمات الخفية بين أطراف يفترض أنها على طرفي النقيض: الولايات المتحدة، إيران، وقطر.
إيران تبحث عن “هدف مسموح به” بعد الضربة الأميركية التي استهدفت 3 منشآت نووية داخل إيران، كان من المنطقي أن تسعى طهران إلى ردع معنوي يعيد لها شيئًا من هيبتها أمام جمهورها المحلي والإقليمي، لكن دون أن تتورط في مواجهة مباشرة مع واشنطن أو تُستدرج إلى حرب مفتوحة لا تملك ثمنها الكامل.
الخيار الطبيعي – من وجهة النظر العسكرية – هو استهداف قواعد أميركية في الخليج. لكن قواعد البحرين والكويت مستبعدة؛ لأن علاقات طهران مع هذه الدول متوترة للغاية، والرد من هذه الدول سيكون قاسيًا وعلنيًا. هنا ظهرت الدوحة على الخريطة كـ”خيار آمن” و”منطقة رمادية” ملائمة لرد محسوب، أو بالأدق: رد تم إخراجه على شكل “استعراض محسوب”.
الدوحة… بوابة الرد ومسرح التفاهم:
تفيد معطيات متقاطعة أن طهران وجدت في قطر الحاضنة المثالية لاستقبال صواريخها. وتشير تقارير استخباراتية أن قاعدة العديد تم اخلاءها بوقت كاف قبل دخول الصواريخ الياليستية الإيرانية للدوحة، وسط تعزيزات أمنية قطرية لافتة في محيط قاعدة العديد – وكأن الأمور كانت مُعدة سلفًا.
كما أن الأمور التالية تعزز هذا الطرح :
* موقف قطر الرسمي جاء ناعمًا وباردًا، رغم استهداف أهم قاعدة أميركية على أراضيها!
* المرشد الإيراني أكد أن الضربة لم تستهدف أحدًا، بل استهدفت “مصالح أمريكية”، في لغة دبلوماسية تنزع فتيل الانفجار.
* الرئيس ترامب خرج فور الهجوم يشكر طهران وتميم بن حمد؛ معلنا أن “الحرب انتهت وأن العالم اقترب من السلام”، في توقيت يثير الدهشة ويكشف عن تنسيق محتمل في مستوى أعلى من مجرد رد فعل.
هل كان كل شيء مسرحية محسوبة؟
من غير المستبعد – وفق مصادر دبلوماسية غير معلنة – أن الثلاثي: ترامب، خامنئي، وتميم، كانوا في تفاهم صامت لتقديم مشهد عسكري “منضبط” يخدم:
* إيران في حفظ ماء وجهها بعد ضربة مهينة
* ترامب في لعب دور رجل السلام “الذي يضرب ثم يوقف الحرب”،
* وقطر في لعب دور الوسيط الهادئ القادر على استيعاب التناقضات.
قد تكون العملية برمتها نوعًا من “إعادة ضبط” قواعد الاشتباك في الخليج دون الانزلاق إلى حرب شاملة. وهو ما يفسر عدم وقوع خسائر بشرية كبيرة، وردود الأفعال الدبلوماسية المنضبطة، وغياب أي رد أميركي حقيقي على استهداف قاعدته الجوية الأهم في الشرق الأوسط.
ملاحظات ختامية: من الخداع إلى الدبلوماسية الخفية:
* استهداف قاعدة العديد قد لا يكون فعلًا حربياً بقدر ما هو رسالة إقليمية مدروسة.
* قطر تثبت مرة أخرى أنها تتقن اللعب على التناقضات، وتستثمر في غموض مواقفها بين واشنطن وطهران.
* إيران تُتقن فن “الرد دون انفجار” من خلال رسائل عسكرية بأهداف سياسية.
* وترامب يعرف كيف يخرج من مشهد مشتعل مدعياً أنه أنقذ العالم من جحيم وشيك.
ربما لم يكن ما حدث سوى مشهد استعراضي في مسرح الشرق الأوسط الكبير، حيث تُدار الحروب بقدر ما تُدار التفاهمات، ويُضحك على الشعوب باسم “الردع” و”الكرامة” و”الحكمة”، بينما الحقيقة أبعد ما تكون عن المشاعر… وأقرب ما تكون إلى المصالح.