ازدواجية المعايير الغربية في ملف السلاح النووي.

كلمة مركز إندس للدراسات الباكستانية-
منذ اختراع القنبلة النووية في منتصف القرن العشرين، أصبح السلاح النووي رمزًا للقوة الجيوسياسية ومفتاحًا للردع الاستراتيجي. إلا أن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تبنّت سياسات نووية انتقائية تُظهر بوضوح ازدواجية المعايير، ليس على أساس القدرات، بل على أساس الهوية السياسية والثقافية وحتى الدينية للدولة الساعية لامتلاك هذه القوة.
النووي الغربي: حق مشروع لا يُمس؟
تمتلك خمس دول أعضاء في مجلس الأمن الدولي أسلحة نووية معترف بها ضمن معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT): الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، والمملكة المتحدة. هذه الدول تبرر امتلاكها لترسانات نووية ضخمة بذريعة “حفظ الأمن العالمي” و”منع الحروب الكبرى”، لكنها في الوقت ذاته تحتكر هذا الحق وتفرض عقوبات قاسية على الدول الأخرى التي تسعى للحصول على التكنولوجيا النووية، حتى ولو كان ذلك لأغراض مدنية أو دفاعية أو سلمية.
نماذج من ازدواجية المعايير:
1. إسرائيل النووي غير المعلن والمُبارك:
تمتلك إسرائيل ترسانة نووية سرية منذ عقود، لكن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الغرب، لا يمارس عليها أي ضغوط جدية أو تفتيش أممي. إسرائيل لم توقّع على معاهدة حظر الانتشار النووي، ومع ذلك تُعتبر “حليفًا استراتيجيًا” يتمتع بحصانة كاملة من أي مراقبةأو مساءلة. لأنها ليست دولة مسلمة وليست دولة متحالفة مع الصين وروسيا.
2. إيران: بين العقوبات والشيطنة:
تخضع إيران لعقوبات دولية مشددة بسبب برنامجها النووي، رغم التزامها النسبي بالاتفاقيات الدولية ودعواتها المتكررة لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي. ولكن لأن النظام الحاكم لا يخضع لهيمنة الغرب، فإن أي تقدم نووي يُصنَّف فورًا على أنه تهديد وجودي!.
3. كوريا الشمالية: الردع عبر العزلة:
رغم معاناة بيونغ يانغ من عزلة دولية خانقة، إلا أنها أثبتت أن امتلاك سلاح نووي، ولو بكلفة باهظة، قد يوفر حماية سيادية ضد التدخلات الخارجية، كما حصل في العراق وليبيا اللتين تخليتا عن برامجهما النووية ثم واجهتا تدخلًا غربيًا مدمرًا.
4. باكستان: دولة نووية مسلمة يتحرشون بها صباحا ومساء: باكستان، الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي، واجهت ضغوطًا هائلة في بداية برنامجها. لكن بعد امتلاك السلاح فعليًا، أُجبر الغرب على التعامل معها كقوة أمر واقع. ومع ذلك، تبقى النظرة السائدة في الإعلام والسياسة الغربية مشوبة بالريبة حيال “نووي مسلم” رغم ضبطه الكامل.
المعيار الحقيقي لدى الغرب: هوية من يملك النووي وليس التهديدات النووية.
الغرب لا يعارض النووي من حيث المبدأ؛ بل يعارض امتلاكه من قبل أنظمة أو شعوب يرى أنها خارجة عن سيطرته أو تنتمي إلى “الهامش الجيوسياسي” أو الديني. فـ”نووي الديمقراطيات البيضاء” يُنظر إليه كضامن للأمن، بينما “نووي المسلمين أو المعارضين للهيمنة الغربية” يُوصف بالتهديد الإرهابي.
ولذلك لم نجد في التاريخ القريب والبعيد أي غزو غربي لأي دولة غربية بحجة محاولاتها للحصول على الأسلحة النووية. بينما قامت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة والناتو عددا من الدول الإسلامية بحجة محاولاتها للحصول على الأسلحة النووية. مثل العراق وليبيا والآن إيران.
وكأنهم يخاطبوننا بقولهم: القنبلة النووية حلال لنا وحرام عليكم. ففي العراق اطاحوا بصدام حسين لأنه كان زعيما مسلما حاول الحصول على الأسلحة النووية لأغراض دفاعية؛ ولكنهم قاموا بغزو العراق ليس بسبب القنبلة النووية بل بسبب هوية صدام الدينية. فلو حاول عميلهم نوري المالكي للحصول على أسلحة نووية للعراق لأعدموه؛ كما فعلوا بصدام. لأن كلاهما زعيم دولة مسلمة. وفي هذه الأيام يحاربون إيران على هذا المبدأ أيضا. وهنا نحن لا ندافع عن برنامج إيران النووي، بل نرى أن النووي الإيراني لا يقل خطرا على الأمن الإقليمي من خطر النووي الإسرائيلي. فطهران وتل أبيب كلاهما مصابان بجنون التوسع واحتلال الأراضي. ولكن هنا نحن نتحدث عن ازدواجية المعايير الغربية في ملف السلاح النووي. ولنفترض أن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية نجحتا في الاطاحة بنظام الملالي في إيران، وجاءوا بنجل شاه ونصبوه رئيسا لإيران، وبعد سنتين يحاول نجل شاه بتخصيب اليورانيم لإنتاج قدرات نووية، فبالتأكيد تنقلب واشنطن وإسرائيل على نجل شاه؛ لأنه يحاول انتاج أسلحة نووية لبلد مسلم.
الخلاصة:
إنّ المشكلة الجوهرية لدى الغرب ليست مع امتلاك الأسلحة النووية بحد ذاتها، بل مع هوية وديانة من يمتلكها. فالمعايير التي تعتمدها القوى الكبرى، وعلى رأسها الدول الغربية، تبدو ازدواجية بامتياز، لا سيّما حين يتعلق الأمر بالملف النووي.
فالدول النووية القائمة لا تكتفي بامتلاك ترسانات دمار شامل، بل تسعى إلى منع الدول الأخرى من مجرد التفكير في تطوير قدرات مماثلة. وكأن لسان حالهم يقول: “إذا امتلكتم أسلحة نووية، فستكونون تهديدًا لنا، أما نحن فامتلاكنا لها ضروري لحمايتكم من أنفسكم!”
هذا المنطق الاستعلائي يُفترض أن تتقبله الدول غير النووية؛ وكأنها كيانات ساذجة لا تدرك أن المعادلة النووية قائمة على التوازن الرادع. فإن كانت “نوويتهم” تحمينا – حسب زعمهم – فمن باب أولى أن تكون “نوويتنا” وسيلة لحماية أنفسنا من بطشهم. الغرب يقولها بصراحة فجّة: السلاح النووي مباح لنا ومحرّم عليكم! إنها قمة الغطرسة، بل إحدى أكثر صور الوقاحة التاريخية فجاجةً عبر العصور.
التوصيات:
1. يجب على الدول النامية أن تتبنى موقفًا موحدًا ضد المعايير الانتقائية التي تقودها القوى الغربية.
2. لا بد من الدعوة إلى مؤتمر دولي مستقل لإعادة صياغة نظام الردع النووي على أساس العدالة والمساواة.
3. من الضروري دعم البرامج النووية السلمية في الدول النامية مع وضع آليات مراقبة شفافة بعيدًا عن الهيمنة السياسية والغربية.
