أكبر تجمع إخواني في باكستان: تبرعات غزة واتّهامات بالتواطؤ مع الجيش تلاحقهم

إعداد: وحدة الدراسات السياسية بمركز إندس للدراسات الباكستانية –
شهدت حديقة منارة باكستان في لاهور خلال ٣ أيام الماضية انطلاق أكبر تجمع شعبي للجماعة الإسلامية في باكستان منذ أكثر من عقدين، وسط حضور ضخم يقدر بين 450 و550 ألف مشارك، في فعالية حملت شعار “انضم معنا لتغيير النظام”.
رغم ضخامة الحدث وتنظيمه المتميز، بقي شعار “تغيير النظام” غامضًا، إذ لم تقدم قيادة الجماعة تفسيرًا واضحًا لآليات تحقيق هذا الهدف، ما أثار تساؤلات سياسية حول حقيقة الأبعاد المرجوة من هذا التحرك.
وفود دولية بارزة ومشاركة إخوانية عابرة للحدود
تميز التجمع بحضور أكثر من 100 مندوب من نحو 35 دولة، يمثلون قيادات سياسية ودينية وأكاديمية من مختلف أنحاء العالم. تصدر الوفد الدولي الدكتور محي الدين علي القَرَداغي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حيث ألقى الكلمة الرئيسية وأكد أهمية التعاون بين الحركات الإسلامية على الصعيد العالمي.
وشملت الوفود أبرز الشخصيات:

○ د. فاتح أربكان، زعيم حزب الرفاه الجديد في تركيا، أحد أبرز الأصوات السياسية الإسلامية في أوروبا.
○ ياسين أكتاي وبورهان كايا ترك، نواب ومسؤولون في حزب العدالة والتنمية التركي.
○ خليل الحيّة، قيادي بارز في حركة حماس الفلسطينية.
○ شيخ حمّام سعيد، قيادي الإخوان المسلمين في مصر.
○ د. مجيب الرحمن، نائب أمير جماعة الإسلامية في بنغلاديش.
○ د. علي بن عرفة، زعيم حركة النهضة في تونس.
○ بروفيسور غلام محمد صافي، قيادي في حركة الحريات البوسنية.
○ د. أوس رمال، قائد حركة التوحيد والإحسان في المغرب.
○ الشيخ إسماعيل، قيادي الإخوان المسلمين في العراق.
○ د. مازلي مالك، قائد سياسي في ماليزيا وعضو حزب PAS.
○ ممثلون عن حزب PKS في إندونيسيا.
○ لورين بوث، شقيقة زوجة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
○ الناشط البرازيلي تياغو، ممثل الحركات الشبابية الإسلامية في أمريكا اللاتينية.
○ أكاديمي بارز من الصين، قدم رؤية علمية حول التعليم الديني والتفاعل مع الشباب.
استثمرت الجماعة حضور هذه الشخصيات لإضفاء صورة عالمية على الحدث وتعزيز موقفها أمام وسائل الإعلام الدولية.
شعارات كبيرة بلا خطة واضحة
افتتح رئيس الجماعة، حافظ نعيم الرحمن، التجمع بالقول:
“نحن في لحظة تاريخية لإعادة تشكيل مستقبل باكستان، ولن نقبل بنظام جمهوري فاسد لا يمثل الشعب.”
وفي خطابه الأخير، حاول نعيم مهاجمة المشير عاصم منير قائلاً: “لا يوجد أي استثناء أو حصانة لأي شخص في الشريعة الإسلامية أو النظام الإسلامي”. وأضاف أن الجماعة “جاهزة لفتح صفحة جديدة”، لكنه لم يقدّم أي خطة عملية لتحقيق هذا التغيير.
حضور نسائي غير مسبوق
على الرغم من موقف الجماعة الرافض لمشاركة المرأة في السياسة، خصص المنظمون جناحًا ضخمًا للنساء، حيث شكلت الفتيات والنساء ما يقارب 60% من إجمالي الحضور. وأُلزمن آلاف الطالبات من المدارس والكليات التابعة للجماعة بالحضور ضمن “المشاركة التنظيمية الواجبة”، في خطوة أثارت انتقادات حقوقية حول توظيف المؤسسات التعليمية لتعزيز الحشد السياسي.

ويرى محللون أن الحضور النسائي الكبير جاء لتصدير صورة أكثر انفتاحًا أمام الوفود الدولية ووسائل الإعلام، وكسر الانطباع التقليدي المتشدد عن الجماعة. وأكدت السيدة بسمة نور إحدى المشاركات أن نسبة حضور السيدات في الاجتماع تجاوزت نسبة الرجال، حيث شكلن حوالي 60% من المشاركين.

استقطاب مؤثري السوشيال ميديا
حرصت قيادة الجماعة على دعوة عشرات مؤثري السوشيال ميديا من باكستان، وتكريم عدد منهم على المسرح، بهدف الوصول إلى الجمهور الشبابي، تحسين صورتها عبر وجوه محبوبة وغير سياسية، وخلق “غلاف ناعم” وسط اتهامات متصاعدة بصلاتها بالتنظيم الدولي للإخوان.
التمويل وتبرعات غزة
قدّرت مصادر سياسية تكلفة الفعالية بحوالي 3 ملايين دولار، شملت الطعام والتنقل والإقامة.
وتتردد اتهامات – ينفيها قادة الجماعة – بأن جزءًا من التمويل جاء من تبرعات غزة التي جمعتها جمعية “الخدمة”، الذراع الخيري للجماعة.
وقال الخبير في الحركات الدينية الباكستانية عبدالمعيد: “أنا أستغرب من أين يأتي التمويل لهذه الجماعات الدينية لتنظيم مثل هذه الحشود الضخمة. من المؤكد أن هؤلاء يجمعون التبرعات باسم فلسطين والمساجد وينفقونها على حملاتهم السياسية.”
ويرى معلقون أن التضارب بين شعارات نصرة غزة وتمويل الحشد المحلي يثير أسئلة أخلاقية حساسة حول إدارة الأموال الخيرية.
العلاقة بالمؤسسة العسكرية
اتهم حزب حركة الإنصاف الجماعة الإسلامية بـ “التواطؤ مع المؤسسة العسكرية والاستخباراتية لإعادة تشكيل المشهد السياسي”.
وقال الناشط السياسي في حزب الإنصاف أجمل أمين: “زعيم الجماعة الإسلامية حافظ نعيم هو دمية رخيصة في يد الدولة العميقة في باكستان”.

ويرى بعض المحللين أن بعض دوائر المؤسسة قد تعتبر الجماعة بديلاً أقل خطورة من حزب عمران خان، وأداة للضغط السياسي دون تمكين حقيقي.
وأشار الصحافي الباكستاني سبيع كاظمي: “الجماعة الإسلامية نجحت في تنظيم هذا الاجتماع بحضور حشد كبير من منتسبيها بمباركة من الجيش الباكستاني، وفي قادم الأيام ستصبح الجماعة أقوى من حزبي نواز شريف وزرداري.”
وقالت الكاتبة رقية غزال: “اجتماع الجماعة ضخم من حيث التنظيم والعدد لكنه فارغ من حيث الهدف والرؤية. رئيس الجمعية حافظ نعيم يبيع وهم التغيير، لأن الدعوة إلى التغيير في نظام دولة بحجم باكستان يحتاج إلى وزن انتخابي أو تشريعي، والجماعة لا تمتلك شيئًا من ذلك.” وأضافت: “كيف يغيّر نظامًا كاملًا في حين هو وجماعته عاجزون حتى الآن عن دخول البرلمان بثلة مؤثرة فيه؟”
وردت الناشطة الشابة في الجماعة أسماء علي على هذه الانتقادات قائلة: “الأيام القادمة ستشهد صعودًا تاريخيًا للجماعة في السياسة الوطنية، وسنطرد رئيسة وزراء البنجاب مريم نواز ، كما طردنا حسينة واجد من بنغلاديش.”

هل يمهّد هذا الحدث لوصول الجماعة إلى السلطة؟
رغم القوة التنظيمية والقدرة على الحشد، يستبعد مركز إندس للدراسات الباكستانية أن يصل هذا الحدث بالجماعة إلى السلطة لثلاثة أسباب رئيسية:
1. ضعف الجماعة الانتخابي المزمن، حيث كانت نسبة فوزها في الانتخابات السابقة 1% فقط رغم قربها من الجيش.
2. غياب الحضور البرلماني القادر على تغيير شكل الحكم، إذ لا يمكن صياغة سياسة أو دستور قومي دون غالبية برلمانية.
3. عدم وجود دعم شعبي واسع خارج القواعد التنظيمية للجماعة مقارنة بالأحزاب السياسية الأخرى.
في المقابل، يرى أنصار عمران خان أن المؤسسة العسكرية قد تستفيد من الجماعة كورقة ضغط سياسية أو كقوة تنظيمية قادرة على الحشد عند الحاجة، ما قد يؤدي إلى وصول مفاجئ للجماعة للحكم.
الخلاصة
التجمع، رغم ضخامته، كشف فجوة واضحة بين قدرة الجماعة على الحشد وبين قدرتها الفعلية على تقديم مشروع سياسي قابل للتنفيذ.
يبقى الحدث أقرب إلى إعادة تموضع تنظيمية واستعراض قوة عددية، مع إرسال رسائل للداخل والخارج، أكثر من كونه بداية صعود فعلي للجماعة نحو السلطة.
وفي ظل الاضطراب السياسي والاقتصادي الراهن في باكستان، يظل السؤال الأهم: هل يمثل هذا التجمع بداية صعود جديد للجماعة الإسلامية، أم مجرد استعراض ضخم بلا نتائج سياسية حقيقية؟



